منذ فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا جويا وبحريا وبريا على قطاع غزة في يونيو عام 2007، بعد انتخاب حركة حماس لإدارة القطاع، أصبحت المساعدات الإنسانية محور صراع مستمر وهدف ثمين لقوات الاحتلال.
ويُعتبر الحصار، الذي يُصنف من قبل منظمات دولية مثل الأمم المتحدة وهيومن رايتس ووتش كعقاب جماعي، قد أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، حيث يعيش أكثر من 2.3 مليون فلسطيني تحت ظروف معيشية قاسية.
وفي محاولة لكسر هذا الحصار، انطلقت قوافل إنسانية متعددة عبر البحر والبر، تحمل مساعدات غذائية وطبية وبناء، لكنها واجهت اعتراضا إسرائيليا متكررا، يشمل الاعتراض البحري، الهجمات الجوية، والإطلاق الناري.
هذه القوافل، التي شارك فيها ناشطون دوليون ومنظمات إغاثة، أدت إلى حوادث دامية أثارت إدانات دولية واسعة.
وتستمر المحاولات لفك الحصار عبر البحر مع «أسطول الصمود العالمي»، ولكن يظل الوضع في غزة يتدهور، وسط عجز دولي لتوفير حلول عاجلة لضمان وصول المساعدات دون عوائق.
بدايات الحصار
بدأ حصار الاحتلال الإسرائيلي على غزة في 2007 كرد فعل على إدارة حماس، مما منع دخول السلع والمساعدات بشكل كامل، وأدى إلى حصار بحري يمنع الوصول إلى المياه الدولية.
وفي ديسمبر 2008، أطلقت حركة «غزة الحرة» أولى السفن الإنسانية، مثل «الديب سي» و»فري غزة»، لكنها نجحت في الوصول جزئيا فقط قبل أن يشدد الاحتلال الإجراءات بحلول 2009.
وفي 29 يونيو 2009، اعترضت بحرية الاحتلال سفينة «روح الإنسانية» (Spirit of Humanity) في المياه الدولية على بعد 20 ميلا بحريا من ساحل غزة، وهي تحمل مساعدات إنسانية بقيمة 20 ألف دولار وناشطين مثل غريتا ثونبرغ في حملات لاحقة.
وتم اعتقال الركاب ونقلهم إلى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ورفضت إسرائيل السماح بدخول المساعدات، مدعية أنها تحمل أغراضا عسكرية.
هذا الحادث كان أول اعتراض علني كبير، وأثار انتقادات من منظمة العفو الدولية التي اعتبرته انتهاكا للقانون الدولي.
العنف الإسرائيلي
شهد عام 2010 أبرز الحوادث مع «أسطول الحرية لغزة» (Gaza Freedom Flotilla)، الذي انطلق في مايو بست سفن تحمل 10 آلاف طن من المساعدات و700 ناشط من 50 دولة.
وفي 31 مايو 2010، هبطت قوات الاحتلال من مروحيات على متن السفينة التركية «مافي مرمرة» في المياه الدولية، مما أدى إلى اشتباك عنيف. اسفر عن مقتل 10 ناشطين (ثمانية أتراك وواحد أمريكي من أصل تركي)، وأُصيب عشرات آخرون، بينما أُصيب 10 جنود إسرائيليين. وتم سحب السفن إلى ميناء أشدود، واعتقال الركاب قبل ترحيلهم.
وأثارت الحادثة إدانة دولية واسعة؛ وأصدرت لجنة الأمم المتحدة تقريرا يصف الهجوم بأنه «قتل متعمد» و»عنف مفرط»، واعتبرت محكمة الأمم المتحدة الحصار غير قانوني.
استمرار المحاولات
في 2011 انطلق أسطول الحرية الثاني (Stay Human) بـ10 سفن، ولكن تم منعه واعترض الاحتلال سفينة «ديغنيتي الكرامة» الفرنسية في 19 يوليو في المياه الدولية، وسُحبت إلى أشدود، مع اعتقال 17 ناشطا ثم ترحيلهم. ولم تُسجل إصابات، لكن الحادث أثار احتجاجات في أثينا.
أما في عام 2015، فكان أسطول الحرية الثالث، حيث انطلقت سفينة «ماريان» السويدية في يونيو، محملة بمساعدات طبية.
وفي 29 يونيو، اعترضتها قوات الاحتلال على بعد 100 ميل بحري، واعتقلت الركاب بما في ذلك الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، ثم رحلتهم. وأظهرت فيديوهات استخدام الصعق الكهربائي ضد الناشطين.
وانطلقت سفينة «زيتونة أوليفا» بطاقم نسائي في سبتمبر 2016، لكنها اعترضت في 5 أكتوبر على بعد 14 ميلا من غزة، وتم ترحيل الناشطات.
أما في عام 2018 تحرك أسطول «مستقبل عادل لفلسطين»، وشمل سفن «الأودة» و»الحرية»، واعترضت في يوليو وأغسطس، مع تقارير عن تعذيب وصعق كهربائي للناشطين، ثم ترحيلهم.
وفي هذه الفترة، لم تصل أي قافلة إلى غزة، وأكدت منظمات مثل أمنستي إنترناشونال أن الاعتراضات تنتهك القانون البحري الدولي.
هجمات داخل غزة
مع اندلاع عدوان على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصارا كاملا في 9 أكتوبر، مما منع المساعدات لأسابيع. سُمح بدخول محدود في 21 أكتوبر تحت ضغط دولي، لكن الهجمات استمرت.
وفي نوفمبر 2023 هاجم الاحتلال قافلة «أطباء بلا حدود» قرب مستشفى الشفاء، ولقى شخصان مصرعهما أثناء إجلاء مدنيين، وفي شهر ديسمبر من نفس العام تم إطلاق نار على منزل ضيافة الأونروا في رفح، دون إصابات لكن مع أضرار كبيرة.
أما “مذبحة الدقيق» فكانت يوم 29 فبراير 2024، واستشهد خلالها 112 فلسطينيا وأصيب 750 أثناء انتظارهم مساعدات، وقبل ذلك بأسابيع قليلة، شن الاحتلال هجوما على شاحنة أونروا، مما أوقف المساعدات لـ19 يومًا.
وفي شهر أبريل من نفس العام هاجمت قوات الاحتلال جويا قافلة «المطبخ المركزي العالمي» (WCK) في دير البلح، واستشهد في الهجوم 7 عمال إغاثة، بما في ذلك فلسطيني وسائق.
وأكدت تحقيقات أن السيارات كانت منسقة مع إسرائيل، ووصفته هيومن رايتس ووتش بأنه جزء من نمط يشمل 8 هجمات على مواقع معروفة.
وفي 9 يونيو الماضي، اعترضت إسرائيل سفينة «مادلين»، مع رذاذ كيميائي واعتقال غريتا ثونبرغ وآخرين، وفي 27 من نفس الشهر هاجمت “هاندالا” واعتقلت 19 ناشطا.